19 أبريل 2024

حارسُ الفناءِ - شريف بقنه

أنا اسمِي وفمِي ويدِي  
صوتِي ومعطفِي 
تلك أشيائي، من أنا؟  
 يسألُنِي ظلِّي الناسكِ. 
معالجٌ جريحٌ
يجتاز المسافات الرّمادية 
يقدحُ شرارةَ  الوعي في خِدرِ الظَّلامِ، 
والنَّهارِ فرخٌ نائمٌ في عشِّهِ السِّرِّيّ 
والمحيطُ حوضٌ فارغٌ 
ينتظرُ فِرارَ حُورياتِهِ
من بطشِ أپولو وهرميس وآرتميس،
والانتباهُ المفرطُ يتدربُ على
بروفاتِ دراما اليومِ. 

أقاومُ الخرابَ وتلفَ الرُّوح
أناضلُ أسفلَ الجبلِ مع سيزيف
تتفرّسُ بي بيثيا،
 تخبرنُي أنَّ المِطرقةَ 
هشَّمتْ رأسَ الحكمة.
أستعملُ جسدًا ويفلتُ 
الوقتُ من يدي، 
لا أملكُ سوى إيمانٍ متقلّبٍ 
وقلقٍ مُطاردٍ فادحٍ. 

أنا حارسُ الفناءِ. 
طفرةُ الطّبيعةِ الشاردةِ
تبتكرُ تمرّدَهَا الصَّغيرَ         
ثم تُذعنُ للزَّوالِ،
تمتزجُ بنيازكِ التّلاشِي
تشارك الكونَ انفجاره الكبير.

طيفُ الحقيقة - ديفيد ولبِرت | تحرير: كاميرون آلان ماكين

ترجمة: شريف بقنة – تحرير ومراجعة: بلقيس الأنصاري
قد لا يُمكن للعِلم والرياضيات القبض على الكون الماديّ بشكلٍ كامل. هل ثمَّة حدود يصعب على الذَّكاء البشريّ تجاوزها؟
على الرغم من إنجازاته الفكرية العديدة، إلا أنني أظن أنّ هناك بعض المفاهيم التي لا يستطيع كلبي تخيّلها أو حتى التفكير فيها. يمكنه الجلوس بحسب الأوامر وإحضار الكُرة، لكنّه لا يستطيع تخيّل أنّ العلبة المعدنية التي تحتوي طعامه مصنوعة من الصخور المُعالجة. أظنّ أنه لا يستطيع تخيّل أنّ الخطوط البيضاء التي تطول ببطءٍ في السماء، والتي تنتجها آلات مصنوعة أيضًا من الصخور، تمامًا مثل علب طعام الكلاب. أظنّ أنه لا يستطيع تخيّل أن عُلب طعام الكلاب المُعاد استخدامها في السماء تبدو صغيرةً جدًا فقط لأنها شاهقة الارتفاع. وأتساءل: هل هناك أيّة طريقة يمكن من خلالها لكلبي أن يستوعب أنّ مثل هذه الأفكار موجودة بالفعل؟ لا يستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى ينتقل هذا السؤال لمكانٍ آخر. سرعان ما بدأتُ أتساءل عن المفاهيم التي لا أعرف أنها موجودة: المفاهيم التي لا أستطيع حتى تخيَّل وجودها، ناهيك عن التفكير فيها. ما الذي يمكنني معرفته عن ذلك الذي يقع خارج حدود ما يمكنني تصوّره؟
محاولة الإجابة على هذا السؤال تقودنا -فقط- إلى طرح المزيد من الأسئلة. في هذا المقال، سأعبر سلسلةً من ١٠ استفهامات تنقل نظرةً ثاقبة حول كيفية تصوّر ما هو على المحكّ في السؤال، وكيفية الإجابة عليه (وهناك الكثير على المحكّ). إنّ السؤال حول ما يمكننا معرفته وما يقع خارج حدود خيالنا يتعلّق جزئيًا بالوظيفة البيولوجية للذكاء، وجزئيًا يرتبط بأعظم بدَلاتنا المعرفية، خاصةً اللغة البشرية وعلم الرياضيات. يتعلّق الأمر أيضًا بإمكانية وجود واقع مادّي يتجاوز بكثير واقعنا أو واقع محاكاة لا نهائيّ يعمل في أجهزة كمبيوتر تعود لأشكال حياةٍ غير بشريَّة مُتقدِّمة. ويتعلّق الأمر بذريّتنا التكنولوجية، هؤلاء “الأطفال”، الذين سيتفوّقون علينا معرفيًا يومًا ما. من منظور استفهاماتي العشرة، تصبح الاستثنائية البشرية مُهتزة للغاية. ربما نكون مثل الكلاب (أو باراميسيا وحيدة الخليَّة)، ويصعب علينا الاعتراف بذلك. على الرغم من أنّ تاريخ البشرية مليء بشهادات اِفتتانٍ عن ألمعية الإنسان وذكائه، فإن هذه السلسلة من الأسئلة ترسم صورة مختلفة: أريد أن أؤكد المدى الفظيع، وربما المرعب، لمحدودية إنجازاتنا؛ لغتنا وعِلمنا ورياضياتنا.
وهكذا، فإنّ السؤال الأوَّل في السلسلة ببساطة:
١- على مقياسٍ موضوعيّ غير محدَّد، هل نحن أذكياء أم أغبياء؟
لفتراتٍ طويلة من الزمن، يبدو أنّ مستوى الذكاء الأعلى على الأرض قد زاد ببطءٍ شديد، في أحسن الأحوال. حتى الآن، تقوم أدمغتنا بمعالجة المعلومات الحسِّية الحركية باستخدام كلّ أنواع الحِيَل الحسابية التي تسمح لنا القيام بأقلّ قدر ممكن من التفكير الفعلي. هذا يشير إلى أنّ التكلفة المرتبطة بالذكاء مرتفعة. اِتضح أنّ الأدمغة غالية التكلفة من الناحية الأيضية بشكلٍ غير عاديّ على أساس كل وحدة كتلة، أكثر بكثير من جميع الأعضاء الأخرى تقريبًا (باستثناء القلب والكبد). لذا، كلَّما كان الكائن الحيّ أكثر ذكاءً؛ كلَّما احتاج إلى المزيد من الطعام، أو ربّما يموت. من الناحية التطوُّرية، من الغباء أن تكون ذكيًّا.
ليس لدينا فهم جيّد للكيفية التي تمنحنا بها أجهزتنا العصبية الذكاء التجريدي. نحن لا نفهم كيف “يصنع الدماغ العقل”. ولكن بالنظر إلى أنّ المزيد من الذكاء يتطلَّب المزيد من كتلة الدماغ، ما يؤدي إلى مزيدٍ من التكلفة الأيضيَّة، يتوقع المرء أن يكون لدينا أدنى مستوى ممكن من الذكاء التجريدي المطلوب للبقاء على قيد الحياة في المجال البيئيّ الدقيق والذي تطوّر فيه الإنسان العاقل: الحدّ الأدنى من الذكاء المطلوب لعبور عدة ملايين من السنين بالصيد والتزاوج حتى أصبحنا محظوظين ووجدنا أنفسنا في ثورة العصر الحجريّ الحديث.

جرفٌ وراء العالم - شريف بقنه

١
وفي الحياة ستمتطي حصانًا هلاميًّا
سرجُه الوعيُّ وزمامُهُ الشكُّ 
وحدواتُهُ أوقاتٌ تسيلُ 
من كلِّ صوبٍ،
ستركضُ محاكاةً خطرةً 
ورحلةَ إلهاءٍ مستمرةً.
ستشقُّ طرقًا محفوفةً بالشُّرور 
ملغّمةً بالهلاوسِ والضلالاتِ
وكلُّ فكرةٍ ضلالةٌ
والخيرُ والشرُّ 
خيالاتٌ في عُرفِ الأبديةِ.
سيجري ينبوعُ الزَّمنِ 
من بينِ قدميْكَ، 
ولكنِ انظرْ إلى الدّهرِ 
ولا تنظرْ تحتَ قدميْك 
انظرْ إلى جرفٍ وراءَ العالم.
ستجدُ ملاكًا قدَمه مكسورةٌ 
وجماجمَ أسلافٍ مجذومين 
ومدينةً مطمورةً، 
وفي الأرضِ وصفٌ 
يُغني عنِ النَّدمِ.
ستفنِّدُ عقائدَ ودسائسَ 
واحتمالاتٍ وصرخاتٍ 
تحنّطت في ذرواتِها.
ستسحقُ إرادتُك كلَّ شيءٍ 
ما عدا الألمَ والموتَ والكآبةَ؛ 
خطايَا الحياةِ التي لا تُغتفرُ.
سترى طيفًا تهيّأ حقيقةً 
ولا حقيقةَ سوى المادةِ والتجربةِ 
وكلُّ ما يشتغلُ حولَكَ 
لا يعدو كونَهُ مسمارًا صغيرًا 
في ماكينةِ الحياةِ الهائلةِ 
أو صيغةً رياضيةً 
مرسلةً في فلواتِ السَّماءِ.

٢
كُنِ الغريبَ يخمرُ الرغبةَ
ويجمدُ اللحظةَ ساعةً للتجّلي،
أعرِضْ عن أطواقِ النجاةِ
أطواقِ القانعِ والعادي 
ولا تفعلْ شيئًا لأنك وجدتَهم يفعلون
اِبحثْ عن حريةٍ تجمعُ فوضاك.
كُنِ الصابرَ المفتونَ بالترقّبِ
 المؤجّلَ لموعدٍ غامضٍ
 المجبولَ على غيابِ الآخَرِ والأبدي.
و"اعلم أنَّ الألمَ هو الشرفُ الوحيدُ 
الذي لن تنالَ منه الأرضُ، ولا الجحيم" *
 وأنَّ الألمَ معبرُ العالمِ.
كُنِ العارفَ الذي يتفانى في شكِّهِ
 يحاججُ، ينقضُ، يقوّضُ
 يفرِشُ الأسلاكَ الشائكةَ 
في روضاتِ اليقين،
ليكن أعمقُ ما تثقُ به 
ألا تثقَ بشيءٍ 
وسجِّلْ شهادتَكَ فارغةً.
كُنِ الأزليَّ كاهنَ الأيامِ
رديفَ المطلقِ
سيّدَ السُّننِ،
قل كلمتَك وتحطَّم
واصنع سعادتَك 
بطلاوةٍ بفنائِك.


شريف بقنه
خميس مشيط
 ٢٢ سبتمبر ٢٠٢٣

_________________
*شارل بودلير

غداءٌ عائلي - لي يونج لي

يُعدّون في الباخرة سلمون مرقّط
متبّل ببلورات الزنجبيل، والقليل
من البصلٍ الأخضرٍ وزيت السمسم.
سنتناوله غداءً مع الأرز ،كلنا
أخوتي وأخواتي، وأمّي التي
ستتذوق أحلى رأس سلمون،
تمسكه بين أصابعها بحذاقة،
بالطريقة التي أمسكه أبي
منذ أسابيع. ثم استلقى
نائمًا مثل طريقٍ مغطىً بالثلوج
يتعرّج بين أشجار صنوبرٍ شاخت،
دون أي مسافر، وحيدًا لا ينتظر أحدًا.
________________
ترجمة شريف بقنه
* لي يونغ لي Li-Young Lee شاعر أمريكي معاصر. ولد في جاكرتا، لأبوين صينيين. حصل على عدد من الجوائز الأدبية منها جائزة الكتاب الأمريكي وجائزة وليم كارلوس ويليامز.(١٩٥٧- )
* العنوان الأصلي للقصيدة Eating Together بمعنى نأكل سويّةً.
"Eating Together” from Rose by Li-Young Lee, 1986 BOA Editions Ltd

الشاعر - شريف بقنه

مِثْلُ راهبٍ ينصتُ للصّمت
أمضى الليالي في انتظارِ
معجزةٍ أو ملاك،
حتى أصبحت يدُه قصبةً
وجبهتُهُ ساحةَ حرب
وفاضَ قلبُهُ بحزنِ المراثي.

زمنٌ يعود إلى الخلفِ بالحركة البطيئة،
وهو يسير على شعرةٍ متقصفةٍ
بينَ الفنِّ والعبَث
يُروّضُ الوحشَ النائمَ في أناه
يتفقّدُه، ويمضي واثقًا بصرامةٍ
لا يسلُبُ إيمانَهُ أحدٌ.

يُخرِّبُ، ينقضُّ وينقلبُ
يسقطُ في قعرِ جحيمٍ باردٍ
يقوّضُ ذاتَهُ ويعود طفلًا جديدً
لا يلبثُ أن يشيخَ
في غُمّةِ الأبجديةِ والدلالة،
يضِيقُ ذرعًا بالكلمات
كلما حاصرتْهُ معضلةُ المصيرِ والضميرِ،
تسقطُ في جوفِهِ جمرةٌ ويجفُّ نهرٌ
وكلّمَا شقّتْ عليهِ المسألةُ
كلّما تشبَّثَ بها.

يطوي السِّنينَ في داخلِهِ
يتشنّجُ في نوباتٍ مازوخيةٍ
يستأنسُ بالجرحِ، يُفتَنُ بالذُّعرِ
وينهمكُ في نوائبِ الدَّهر.
يخرجُ بعد كلِّ شيءٍ جريحًا
زاهدًا في ألمِهِ، موقنًا بأنّه فعلَها
ورغمَ مخاضاتِهِ وعثراتِهِ
رغمًا عن النَّدمِ والبلاءِ والرَّوعةِ
لايزالُ يتركُ بابَهُ مخلوعًا للَّيلِ
في انتظارِ جنّيةٍ أو نبيٍّ.

سانتياغو، كاليفورنيا
١٤ نوفمبر ٢٠٢٣

11 أبريل 2024

مكانٌ شِبه عادي - شريف بُقنه

١
في مكانٍ شبهِ عاديّ
تلتقي بك طفلًا هائمًا بحاجة البكاء، 
تذوبُ في أثيرِ الوقتِ
في هذا الزّلال السَّائح
تسألُ الفراغَ عن كنهِهِ ولونهِ وغايتِهِ.
كيف ابتلعك، وإلى أين يأخذك، ولماذا عليك 
أنْ تقفَ أعزلَ في مواجهةِ العدَمِ وتتوسمَ الخيرَ مِن حولِك؟
فيخبرُك عن طيورٍ تحمي أعشاشَها في أعالي الجبال 
وكائناتٍ مِجهريةٍ تقبعُ مستعمراتُها في قِيعانِ المحيط 
يرسمُ لك دورةَ الماءِ والغيمِ والظِّل 
ويفسّرُ قوةَ الطّردِ المركزيِّ للأجرامِ
يقضي بعدالةِ الحربِ، وعشوائيةِ النّكباتِ 
ومجانيةِ الصُّدفِ والمسرّاتِ 
يخاطبُ جدليةَ الإرادةِ الحرة 
وأصالةَ الوجودِ، وأزليةَ الآلهةِ. 
أخيرًا 
يعرضُ عليكَ الفوزَ بالعادي المتاحِ
والاحتفاءَ بالعيشِ 
رغبةً مهدورةً بين أضلاعِك 
 لا تتشبثُ سوى في البقاء. 

٢
كيف تقبضُ على المعنى وأنتَ 
تطرقُ "الأبوابَ منَ الداخلِ" 
تتشبّثُ في المُطلقِ طويلًا
تظنُّ أنّك تفكُّ شفرةَ الغيْب، 
وكلُّ ما تفعلُه وما تظنُّ أنك فعلتَهُ 
شتاتٌ لرُوحِك وبطولةٌ في نفسِك، 
ثمةَ حتميةٌ تبشمُ بجبروتِها على قرارِك 
تسقطُ بظلالِها الفرسخيةِ على نورِ تصوراتِك 
"الأمرُ الواقعُ مذبحُ الإرادة"*.

شريف بُقنه


_______________
*اقتباس لنيتشه

أفيونُ السّعادة - شريف بقنه

١
نغمّي أعيننا الشاخصة، نتوسّل 
أحلامًا قادمة ومنىً مشتهاة
ونهاراتٍ نستجدي فيها عطايا السماء. 
نغضّ الطّرف عن سرّنا الكبير
"ما أوجع أن نكون أنفسنا! 
ما أضنى أن نبقى وحيدين!" 
نكظمُ خلجاتَنا المكبوتة ونحيبنا اليائس
نؤجّل أسئلةَ الليل ومآزقَنا الوجودية
لتغشانا لحظةُ النشوةِ الموغلة
نبتسمُ ملء شدقينا، سُذّجًا كسالى 
دهاةً وأذكياء، ندفعُ الوقت 
بابتسار اللذة. 

٢
سلبَ الانتحارُ أرواحًا حيارى
وتولّى الشرابُ والشيطان البقية* ، 
شربَتنا السعادة وأدمنّا أفيونها 
لذةٌ، شهوةٌ، شهرةٌ، ثروةٌ وفجور.
نكثت اليوتوبيا وعدَها ومن حينها 
نذرنا عداوةَ أنفسنا ودوزنّا 
لحنَ الشقاء، سفكنا دمَ الحواس 
على أسفلت المُدُن وهرْوَلنا
مهووسين، مُسبّحين بالمتعة 
ومضحّين بقربان النّزوات. 

٣
 شربتنا السعادة ولن ترتوي، 
 تظل تشربُنا لنظمأ ونمعن 
النّظَر في القشور،
نزدري كُنهَ المعنى! 
ونهدم برج التفاسير.


شريف بقنه

_______________
* "أخذ الانتحار الكثير. تولى الشراب والشيطان البقيّه" روبرت لويس ستيفنسون

08 أبريل 2024

بيانو - إدغار كونز

جمعتُ ما انكسَر منه
بقدر ما استطعت؛ قالت

لكنّه توقف عن العمل،
توقّف عن المُضي قدُمًا.

كان كما ورقة المنديل
تتمزق على صفحة الماء.

كما الدخان يضيع في
قبضتي، الأمر لا يتعلّق بك

يا حبيبي. رحلت عندما
كان عليك الرحيل.

قابلتُ امرأةً ذات مرةٍ
تعمل عازفةً للبيانو.

قالت أنه عملٌ صعب.
الأدوات، الخطوات والتأثير.

الأذنُ المطلوبة. إلا أنني أحبه،
أردفت، إلا أنه عملٌ وحشي.

بمجرد ما ابتعد عنه ولو للحظات
يخرج كل شيءٍ عن النوتة.

____________
 ترجمة شريف بقنه 
* إدغار كونز Edgar Kunz شاعر أمريكي معاصر. أصدر مجموعة شعرية العام ٢٠١٩، نشر في العديد من المجلات المرموقة أمثال ذا نيويوركر، نيو انجلند ريفيو وناريتيف. حصل على زمالات وجوائز من الصندوق الوطني للفنون، ومجلس ولاية ماريلاند للفنون وجامعة ستانفورد وغيرها.
"Piano” Edgar Kunz from The New Yorker, October 31, 2022

04 أبريل 2024

حافةُ الغابة - شريف بقنه

يعودُ لحجرتِهِ في المساءِ،
يعودُ منَ المدينةِ الهائلةِ.
لا يكتفي بخلعِ قميصِهِ الرسمي،
بل يخلعُ عن رُوحِهِ أرديةً عديدةً
يخلعُ البسماتِ المتكلّفةَ، والنظراتِ الحذرةَ
الجدّيةَ المُفتعلةَ، والإشاراتِ الشاردةَ
ينفضُ قشورَ التملّقِ، وينزعُ جلدَ التزلُّفِ
يُعلّقُهُ على شمَّاعتَهِ.
كم رداءٍ عليهِ أنْ يخلعَ ليلتقيَ بنفسِهِ؟
كم رداءٍ يرتدي من أجلِهم كلَّ نهارٍ!
أرهقتْهُ المدينةُ الهائلةُ، وطوّقتْهُ
من قبْل أسوارُ عزلته.

كان قدِ اختارَ عزلةً تشبهُ حياةَ النُّسَّاكِ،
لكنْ ضلَّ الطريقَ، وعلِقَ في حافةِ الغابة
حبستْهُ نفسُه، وتشابكتْ أمامَهُ أغصانُهَا.
وجدَ أنَّهُ أكثرَ تعقيدًا من أن يُخضعَ نفسَهُ!
وجد تربةً قاتمةً غائرةً في صميمِ ذاتِه
معادنُ نبيلةٌ وبراثنُ سامةٌ وكمائنُ.
فآثرَ الفرارَ صوبَ المدينةِ الهائلةِ
ملتمسًا الصُلحَ البائنَ،
بيْدَ أنَّ المدينةَ مسرحٌ مكتظٌّ بالأقنعةِ
والجميعُ ممثلون.

هكذا يرتدي أدوارَهُ كلَّ صباحٍ
يستنزفُهُ اللثامُ وتسحقُهُ المادة.
يصعدُ قطارَ الحضارةِ مشمّرًا
مقتحمًا القرنَ الواحدَ والعشرين.

14 مارس 2024

أريد أن أكتب شيئًا بكل بساطة - ماري أوليفر


أريد ان أكتب شيئًا
بكلّ بساطةٍ
عن الحبّ
أو الألم،
شيئًا
تقرأه
وتشعر به
وكلّما قرأت
كلّما شعرت،
وعلى الرّغم من أنني أكتب
قصّتي إلا أننا نشترك فيها،
على الرغم من أنها تخصّ فردًا
إلا أنك تعرفها
حتى في نهاية الأمر..
تظنُّ
لا، تدرك-
أنك كنت طوال الوقت
تكتبُ كلماتها،
أنها كانت طوال الوقت
كلماتٌ قلتها
عنك ومنك
من صميم قلبك.
___________________
ترجمة شريف بُقنه
ماري أوليفر Mary Oliver شاعرة وكاتبة وروائية أمريكية ( ١٩٣٥-٢٠١٩ ). حازت العديد من الجوائز؛ مثل جائزة بوليتزر عن فئة الشعر ١٩٨٤ وجائزة الكتاب الوطني للشعر ١٩٩٢.
"I Want to Write Something So Simply" by Mary Oliver from Evidence: Poems, 2009 by Beacon Press