بإشراف جمعية البيت للثقافة والفنون في إطار تظاهرة الجزائر عاصمة للثقافة العربية وبطلب من وزارة الثقافة الجزائرية انتولوجيا مخصصة لشعراء وشاعرات المملكة العربية السعودية من إنجاز: عبدالله السفر ومحمد الحرز بعنوان: يصرون على البحر. والشعراء والشاعرات أبجدياً: إبراهيم الحسين، أحمد الملا، احمد الواصل، أحمد كتوعه، اشجان هندي، ثريا العريض، حسن السبع، حمد الفقيه، خديجة العمري، زياد عبدالكريم السالم، سعد الحميدين، سعود السويداء، شريف بقنة، طلال الطويرقي، عبدالرحمن الشهري، عبدالله السفر، عبدالله الصيخان، عبدالله ثات، علي الدميني، علي العمري، علي بافقيه، عيد الخميسي، غسان الخنيزي، فوزية أبو خالد، محمد الثبيتي، محمد الحرز، محمد الدميني، محمد العلي، محمد جبر الحربي، محمد حبيبي، محمد خضر، محمد زايد الألمعي، محمد عبيد الحربي، هاشم جحدلي، هدى الدغفق، هيا العريني، هيلدا إسماعيل.
وقد خُصّ ملحق الخميس بنشر مقدمة هذه المختارات:
لم ترسخ جذور المشهد الشعري بالمعنى التحديثي، في تربة الجزيرة العربية إلا في إبان الفترة التي تم فيها توحيد المملكة حيث شبه الاستقرار الاجتماعي وكذلك إرساء قواعد الدولة الذي واكبها جعلت من إمكانية الحديث عن تحولات اجتماعية صوب التجديد في الأدب وفنونه في إطار الممكن والواقع. والحجاز أكثر المناطق تأثراً بمسار تلك التحولات لأسباب جغرافيةوتاريخية لسنا في صدد الحديث عنها هنا. لكن الانهمام بالتجديد لم يكن يخلو في بعض المناطق كالاحساء والقطيف ونجد وإن كان بوتيرة أقل. لقد كانت مرحلة النصف الأول من القرن العشرين مفصلية في تطور القصيدة شكلا ومضمونا حيث ستكون لاحقا القاعدة التي ستبني الأجيال الشعرية عليها سمات المشهد الشعري بالمملكة وتعتمدها كركيزة للنهوض، إنها مرحلة برزت أثناءها أصوات كانت تؤسس لمشهد شعري يحاول الخروج عن المحافظة والتقليد الذي لازم الكتابة الشعرية منذ فترة ليست بالقصيرة. كانت دوافعها تنطلق من أهمية التطورات الاجتماعية والأدبية والسياسية والثقافية التي طرأت على مجمل الوطن العربي خصوصاً في مصر والشام، في النهوض بالأدب وبعثه من جديد كي يواكب ما يجري من تطورات للأدب في البلدان العربية الأخرى. كما أن أدب المهجر وما لازمه من دعاوى ومقولات تجديدية في الشعر كان ماثلاً بالتأكيد امام هؤلاء الذين برزوا في تلك الحقبة. بالطبع كان الأديب محمد حسن عواد أكثر مجايليه من الأدباء كحمزة شحاته وأحمد قنديل وطاهر زمخشري وغيرهم حماسة في تبني الآراء التجديدية التي راجت حول الشعر والأدب بشكل عام. ولم يكن كتابه “خواطر مصرحة” سوى خلاصة مواقفه النقدية الطليعية التي تتطلع إلى النهوض والإصلاح، والتحسر على ما وصل إليه الشعر والأدب من جمود وتآكل. لكن في نهاية الأمر ظلت القصيدة على أيدي هؤلاء تتقدم إلى حداثتها ببطء بحكم ظروف المرحلة وثقافتها حتى جاءت فترة السبعينيات التي شهدت فيها البلاد قفزة نوعية نحو الحداثة المادية ذات الطابع الاستهلاكي بفعل الرخاء الاقتصادي من جراء العوائد النفطية الضخمة التي امتلأت بها خزينة الدولة، الأمر الذي أحدث خلخلة كبيرة في بنية المجتمع السعودي وفي نظامه التربوي وفي شكل تلقي ثقافته وطريقة ا لتعبير عنها أي أن ظهور قيم ثقافية تمتاز بالنظرة الاستهلاكية حد التخمة نتيجة الانفتاح والتحول نحو مكتسبات الحداثة هو الذي حكم مجمل العلاقات الاجتماعية فيما بينها من جهة وبينها وبين الدولة ومؤسساتها من جهة اخرى. هذه الخلخلة استطاع تأثيرها ان يمتد الى العمق من النشاط الإبداعي والأدبي لجيل شعراء السبعينيات والثمانينيات ايضاً. لكنه تأثير مصبوغ بأزمات خارجية كذلك، فنكسة 67وما تبعها من هزائم وشعور عربي بالانكسار جعل من قصائد هؤلاء تنطوي في العمق منها على غربة مزدوجة: غربة البحث عن الوطن الإنسان في ظل الاستهلاك الثقافي، وغربة البحث عن الهوية العربية في ظل هزائمها المتتالية. وما بين ا لغربتين سوف تكتب القصيدة تاريخها الخاص فيما هي لا تكف عن قول ما لا يقال طالما كانت حياتهم التي يسقون اشجارها بماء الأحلام لم تملأ سلال صحراء الأجداد بالثمار الناضجة، كان عليهم ان يمسكوا اغصانها كي لا تقع على كلماتهم، أو يدربوا الهواء المحروس من الضياع في قعر ارواحهم كي يصبح رقيقاً حين يعبر فوق ظلالهم المكشوفة للشمس الحارقة، كان عليهم فقط ان يستعيدوا صوت السلالة من ذاكرة التراب، وان يصقلوه بالغناء ا لشجي، وهذا ما كان حينما وظف هؤلاء الشعراء في قصائدهم الرموز التاريخية والشعبية والأساطير المحلية، لا لكي يستعيدوا حياتهم التي تناهبتها الغربة. يقول محمد العلي الشاعر المؤسس للحداثة الشعرية في تلك الفترة في قصيدة “غربة” “أهنا تربتي؟ أهذي التي انسلت رهافا من غمدها أجدادي، يا حياة اركضي فقد ذبل النور وشل العناء موت الحادي” إنما ليحقنوا قلقهم الوجودي والنفسي بمصل الأنا الجماعية التي أنزلوها منزلة المقدس في نصوصهم، وفي رؤيتهم للكتابة الشعرية الحديثة. ديوان رياح المواقع للشاعر علي الدميني يشي بذلك ويؤكده، وكذلك قصيدة التضاريس لمحمد الثبيتي، وبتكثيف أقل عند محمد جبر الحربي والصيخان وفوزية أبو خالد وسعد الحميدين، ورغم التباين في التوظيف وزاوية النظر إلا أنهم كانوا يصدرون عن إحساس مشترك بالضياع، وما كان يغذي هذا الإحساس فنياً وأسلوبياً هو الأثر الثقافي والأدبي الذي تركته حركات التجديد في الشعر العربي، وبالأخص تجربة شعراء مجلة شعر. أما شعراء التسعينات هم أشبه بالعاصفة التي تاهت في عمق الصحراء، فكان على كل واحد منهم أن يتوحد ب(أناه) الخاصة كي يصل إلى منابع الضوء وجمر الكلمات، كي يقول تفاصيله الصغيرة في الحياة. لذلك نمت تجاربهم في غفلة من صراع التيارات الثقافية والأدبية التي طوقت عنق الأجيال الشعرية السابقة واصطبغت بصبغتها، وكأنهم ألفوا الهامش بوصفه الشرط الضروري لنجاة الشعر من التخشب والاستهلاك والتوظيف. لكنهم بالقدر الذي استوطنوا ذواتهم وحفروا فيها عميقاً كما يحفرون في أرض صلدة، كانوا يتأملون الأمكنة شعرياً كهاجس قوي يستحوذ على جزء كبير من هذه التجربة المتنوعة والثرية. لم يلتفوا كجيل شعري على مقولات وآراء فكرية وأدبية كالإيمان بالوحدة والهوية كما كان عليه الحال عند الجيل الشعري السابق، بسبب حياتهم التي عاشوها كجيل باعتبارها نتاج مرحلة تاريخية كانت هي البوابة التي تفضي للمتغيرات التي طالت بنية التفكير عند الفرد ناهيك عند المبدع والمثقف نفسه.
متغيرات خلقت علاقات جديدة ليست على مستوى المنطقة فقط، وإنما على المستوى العالمي، وليس سهولة التواصل والاتصال في العلاقات الاجتماعية والثقافية سوى إحدى أهم مظاهر هذه المتغيرات التي نشأ من خلالها الجيل الشعري للتسعينيات. لقد ذهبوا إلى الشعر متخففين من سلطة الآباء، وحين قيل لهم سمرة الصحراء علامة تدل على قصائدكم، وتفضح نواياكم، كانوا “يصرون على البحر” ويقولون: هناك علامة أخرى لن تنمو تحت أبوابكم، لكنها بين الكلمات ستنضج مثل ثمرة.