الخيال قوّة الطبيعة في عالم الكلمات - والاس ستيفنز (1879 - 1955)
ولد في 2 أكتوبر العام 1879 في ريدينج بولاية بنسلفانيا. التحق بكلية هارفارد العام 1897 لبضع سنوات، وقبل حصوله على الإجازة منها انتقل إلى كلية القانون في نيويورك 1903، بعد ذلك تدرّج في العمل بمناصب مختلفة في شركات محاماة عديدة. بدأ كتابة الشعر بعد تخرّجه من الثانوية، ونشر في تلك الفترة في مجلة «إلينوي شيكاغو» الأدبية عدداً من قصائده. أصدر كتابه الأول «ضرب الأرغن» العام 1923 وكان تأثّره واضحاً بالرومنسية والرمزية وكذلك التصويرية. بعد ذلك اعتزل الشعر، أو فلنقل النشر لعشرة أعوام. بحلول العام 1935 عاد بانطلاقة جديدة، وفي تعاقب سريع نشر ثلاثة دواوين، غير أن القراءات النقدية لشعره كانت متضاربة، فلم يَرُق هذا الشعر لعدد غير قليل من النقّاد. في تلك الفترة انتقل وأسرته إلى هارتفورد بولاية كونكتيكت، وبالرغم من نشره كتابَين عُدَّا لاحقاً من أهم ما كُتب في الحراك الحداثي في تلك الحقبة، أحدهما «ملاحظات نحو علياء الخيال»، فإنه لم ينل ما يستحقّ من حفاوة إلى ما قبل وفاته بقليل، عندما نشر كتابه «مجموعة قصائد» حيث نال عليه «جائزة بولتيزر» للشعر العام 1955، و«جائزة الشعر الوطنية» التي سبق أن حصل عليها العام 1951 عن عمله «فجر الخريف».
شعر ستيفنز يظلّ اكتشافاً مستمرّاً لتفاعلات الحقيقة وما يمكن للإنسان أن يصنع من هذه الحقيقة بعقله، وثمة ما يدعو أيضاً إلى تسمية العديد من قصائده بالشعر الميتافيزيقي، لأن هالة الغموض والشخصيات القريبة البعيدة المتخمة بالمعرفة لا تكاد تفارق الكثير من شعره، وكذلك فلسفية المسمّيات وكيف يمكن العالم أن يلتقي بطرق متعدّدة.
توفّي ستيفنز في هارتفورد بولاية كونكتيكت، في الثاني من أغسطس 1955 وخلّد وراءه مدرسة للخيال والحقيقة لا نزال نسبر أغوارها إلى اليوم.
رجل الثلج
تُصنَّف هذه القصيدة كواحدة من قصائد «نظرية المعرفة» لستيفنز، ولو قرأناها من منظور فلسفي يمكن أن تُصنَّف أيضاً كنزوع نحو الشكوكية الطبيعية (حركة فلسفية في اليونان القديمة تدعو إلى الشك في كل ما لا يتحقّق منه الإنسان بالتجربة). يتكوّن بناء ستيفنز المعرفي هنا من وصف لمشهد الشتاء تتسرّب داخله بعد ذلك التباساتٌ عاطفية لتُنهي القصيدة بشعور اللاجدوى، عندما يصل إلى القناعة أخيراً بأن العالم والمستمع لا يعترفان برؤيته المعرفية هذه ولن يفهماها. وبالرغم من غموض القصيدة وقصرها إلا أنها لقيت الكثير من القراءات، وقد أشاد بها د. جاي كيسير بل واعتبرها أفضل قصيدة قصيرة في اللغة الإنكليزية.
لا بدّ للمرء من أن يتحلّى
بحسّ الشتاء
لاعتبارات الصقيع
ولأغصان الصنوبر المقصّفة
عندما تخلعُ قشرتُها
كسوةَ الثلج؛
ولا بدّ من أنه مرّ وقت طويل من الصقيع
لتلحظ كيف يمكن لصنوبرة
أن تصبح شعثاءَ ثلجٍ،
عندما تقسو شجرة التنوّب
في الألق القاصي.
تحت شمس يناير،
لن يخطرَ في بالك
أنّ ثمّة شقاء
في صوت الريح،
وقربك حفيف لأوراق الشجر.
ذلك الحفيف
هو صوت الأرض
مكدَّس بتلك الريح نفسها
التي تعصف
في المكان الأعزل نفسه.
بالنسبة إلى المستمع،
الذي يستمع في الثلج،
ولا يرى شيئاً من ذلك في نفسه،
فذلك هو المجرّد اللاشيء
لا شيء الذي ليس هناك
ولا شيء في اللا شيء.
حُجرةٌ رصاصيّة
بالرغم من أنك تجلسُ في حجرةٍ رصاصيّة،
ما عدا للفضّة
لورقة القشّة،
والتقِط
عند ثوبك الأبيض الشاحب؛
أو ارفع فصّاً واحداً من قلادتك
الخضراء،
ولتدَعه يسقُط؛
انظر إلى مروحتك الخضراء
مشجَّرة بصفصافة حمراء؛
أو بإصبع واحدة فقط،
حرِّك الورقة في القصعة التي أمامك -
تلك الورقة التي سقطت من أغصان الفرسيتية
بجانبك...
ما هذا كلّه؟
أعرفُ تماماً
كيف بشراسة
ينبُض قلبك.
ثلاث عشرة طريقة للنظر إلى شحرور
«ثلاث عشرة طريقة للنظر إلى شحرور» قصيدة من كتابه الأول «ضرب الأرغن»، نُشرت للمرّة الأولى في العام 1917، وهي مكوّنة من ثلاثة عشر مقطعاً، كل منها يستقلّ في فكرته ومغزاه ويشترك بطريقة سحرية في شحرور. الشحرور هنا مزاجيّ متقلّب وفي حالات متضاربة. القصيدة تشبه كثيراً قصائد الهايكو على الرغم من أن أياً من مقاطعها لا يلتزم قواعد هذا النوع من الشعر. يُنظَر إلى القصيدة على أنها واحدة من مناورات ستيفنز الفنّية الاعتبارية، بالتالي يمكن مقارنتها مع القصيدة التي تليها «رجل الثلوج». المشاهد الاعتبارية المعرفية من محض المخيّلة الإنسانية كان كل ما يهمّ ستيفنز، الصورة البصرية هي المسيطرة على الإدراك الحسّي. السينمائية حركة الكاميرا وتجوال المشاهد تُعطي انطباعاً واضحاً عن اسم المجموعة «ضرب الأرغن».
1
من بين عشرين جبلاً ثلجياً،
الشيء الوحيد الذي يتحرّك
عين الشحرور عندما ترمش.
2
كان لديّ ثلاثة عقول،
مثل شجرةٍ
عليها ثلاثة شحارير.
3
حامَ الشحرور في دوّامة ريح خريفيّة.
كان جزءاً صغيراً من مسرحية صامتة.
4
رجلٌ وامرأةٌ
واحدٌ.
رجلٌ وامرأةٌ وشحرور
واحدٌ.
5
لا أعرف أيّهما أفضّل،
جمال المجاز
أم جمال التَّوْرية،
تصفيرُ الشحرورِ
أم ما بعد ذلك!
6
ندفُ ثلجٍ على امتداد النافذة الطويلة
تشكّل نقشاً بربريّاً في الزجاج.
ظلُّ الشحرور
يتخلّل المشهد جيئة وذهاباً.
المزاجُ
يقتفي في الظلّ
شيئاً مُبهماً.
7
أوه يا رجالَ هادامَ الناحلين،
لماذا تتخيّلون طيوراً ذهبيّة؟
ألا ترى كيف أن الشحرور
يحور ويدور حول قدمَي
المرأة القريبة منك؟
8
أعرفُ لهجات نيّرة سامية،
إيقاعات لا يمكن مقاومتها؛
لكنني أعرفُ أيضاً
أن الشحرور له علاقة بذلك.
9
عندما غاب الشحرورُ عن النظر،
ترك أثراً على الحافّة
لواحدة من الدوائر العديدة.
10
عند رؤيةِ الشحرور
يُحلِّق في ضوءٍ أخضرَ،
حتّى الأصوات العذبة
من ماخور الداعرات
تبكي بحرقة لذلك.
11
ركبَ فوق كونّيكتيكت
في مركب زجاجي.
بمجرّد،
ما نفذ إلى قلبه الخوفُ،
تماماً في تلك اللحظة أخطأت
ظِلَّ حاشيته
كلُّ الشحارير.
12
النهرُ يتحرّك.
الشحرورُ لا بدّ من أنه يُحلِّق.
13
كانت أمسية طيلة الظهيرة.
الثلوج تتساقط
وكانت تبدو أنها
ستظلّ تتساقط.
الشحرور يقبع
على فرع شجرة الأرز.
------------------------------
المراجع | References
[1] مختارات من الشعر الأمريكي، ترجمة وتحقيق شريف بقنه الشهراني (2011) بيروت: دار الغاوون
[1] Selections from American Poetry, By Dr. Sherif Bugnah Alshahrani (2011) Beirut: Alghaoon Publisher