إلى ابني جواد
وداعًا لخجلِ الملاكِ، لقُبلة الصَّباحِ، لسرٍّ تُوشوشُ بهِ أذن أخيك فيضحك، لكيسِ حلوَى تقتسمهُ معه، لفرَحِك بصوت الباب يُغلُقُ عندما تجيءُ أختُك، لقَصّة شَعْرٍ جديدةٍ نفاجِئُ بها أمك. وداعًا لانضباطك، للاستيقاظ باكرًا، لواجب المدرسة، لملاءة سريرٍ تنتظرك مساءً عند التاسعةِ، لدعاءِ النَّومِ تُلّقنه أخاك، لتوّخي الملامةَ منِّي. وداعًا لاحتفالك، لرقصك عاريًا في المطرِ، لجمع حبَّات البرَدِ، لهتافك "فاز الهلال"، لقميصِ ريال مدريد، لثوبِ العيدِ، للعيدية، وداعًا للعيد مِن بعدِك.
الآنَ وقد رحلتَ يا قُبْلةَ اللهِ، يا طعمَ الجَنَّةِ، يا هيبةَ الأرضِ، يا قمري، يا نَدَمي، رحلت ترتدي النَّهار وتركت الخيولَ تنتحرُ في صدري واللَّيل يسكب حزنَه. رحلت تَرْوي الأرضَ وتركتني في العراءِ أحملُ السَّماءَ على كتفي ونحيبُ الفرائسِ تجتمع مُعذّبةً في صوتي. رحلتَ يا صغيري قبل أنْ أخبرَك عن أشياءَ كثيرةٍ، كنتُ سأخبرُكَ أنَّني تعمّدتُ فوزَك عندما كنا نلعبُ بالكرة ذاتَ مساءٍ، وأن العالَم أكبرُ بكثيرٍ من منزلِ جدَّتك، وأنَّه أفظعُ منه كذلك، كنتُ سأخبرُك أنَّ الوقتَ هو الآنَ وأنَّ السعادةَ أثمنُ ما في الحياةِ وأنَّ العدالةَ لم تكنْ يومًا من أجلِنا. رحلتَ وأخوكَ ينتظرُ عودتَك إلى الأبدِ، والنداءاتُ تخطئُ باسمك، ولا شيء يُمكن أنْ يأتيَ بخيرٍ بعدك.
لك نوّارةُ السّحَر تنبتُ عند شاهدِك، ولي الخيبةُ وحسرةٌ تفرُكُ القلبَ وتفتّته. لك حريرُ الطّمأنينةِ يأويكَ في روضتِك، حمامةُ الرّضا تنوحُ في مسراكَ ولي القيامةُ وغصةٌ تخنقُ الحلْق. لك جيرةُ القمرِ، صوتُ الطّيرِ مكتملًا، أوّل الصّبحِ وشفقُ الخلاصِ. أيَّ تزجيةٍ للوقتِ من بعدك يا جواد! أخذتَ القصدَ معك ورحلتَ حُلمًا قاصمًا وغريبًا، والآنَ تعرف الآخرَ يا صغيري، الآخر الذي لم يسمحِ الوقتَ أن أحكيَ لك عنه، كنتُ سأقولُ لك إنّهُ يقصينا عنه كلما أمسكنا به، الآن.. أنت تُمسكُ به، الآن أنتَ قويٌّ.
الرياض
شريف بقنه