17 يوليو 2024

جرف وراء العالم - شريف بقنه

١
وفي الحياة ستمتطي حصانًا هلاميًّا
سرجُه الوعيُّ وزمامُهُ الشكُّ 
وحدواتُهُ أوقاتٌ تسيلُ 
من كلِّ صوبٍ،
ستركضُ محاكاةً خطرةً 
ورحلةَ إلهاءٍ مستمرةً.
ستشقُّ طرقًا محفوفةً بالشُّرور 
ملغّمةً بالهلاوسِ والضلالاتِ
وكلُّ فكرةٍ ضلالةٌ
والخيرُ والشرُّ 
خيالاتٌ في عُرفِ الأبديةِ.
سيجري ينبوعُ الزَّمنِ 
من بينِ قدميْكَ، 
ولكنِ انظرْ إلى الدّهرِ 
ولا تنظرْ تحتَ قدميْك 
انظرْ إلى جرفٍ وراءَ العالم.
ستجدُ ملاكًا قدَمه مكسورةٌ 
وجماجمَ أسلافٍ مجذومين 
ومدينةً مطمورةً، 
وفي الأرضِ وصفٌ 
يُغني عنِ النَّدمِ.
ستفنِّدُ عقائدَ ودسائسَ 
واحتمالاتٍ وصرخاتٍ 
تحنّطت في ذرواتِها.
ستسحقُ إرادتُك كلَّ شيءٍ 
ما عدا الألمَ والموتَ والكآبةَ؛ 
خطايَا الحياةِ التي لا تُغتفرُ.
سترى طيفًا تهيّأ حقيقةً 
ولا حقيقةَ سوى المادةِ والتجربةِ 
وكلُّ ما يشتغلُ حولَكَ 
لا يعدو كونَهُ مسمارًا صغيرًا 
في ماكينةِ الحياةِ الهائلةِ 
أو صيغةً رياضيةً 
مرسلةً في فلواتِ السَّماءِ.

٢
كُنِ الغريبَ يخمرُ الرغبةَ
ويجمدُ اللحظةَ ساعةً للتجّلي،
أعرِضْ عن أطواقِ النجاةِ
أطواقِ القانعِ والعادي 
ولا تفعلْ شيئًا لأنك وجدتَهم يفعلون
اِبحثْ عن حريةٍ تجمعُ فوضاك.
كُنِ الصابرَ المفتونَ بالترقّبِ
 المؤجّلَ لموعدٍ غامضٍ
 المجبولَ على غيابِ الآخَرِ والأبدي.
و"اعلم أنَّ الألمَ هو الشرفُ الوحيدُ 
الذي لن تنالَ منه الأرضُ، ولا الجحيم" *
 وأنَّ الألمَ معبرُ العالمِ.
كُنِ العارفَ الذي يتفانى في شكِّهِ
 يحاججُ، ينقضُ، يقوّضُ
 يفرِشُ الأسلاكَ الشائكةَ 
في روضاتِ اليقين،
ليكن أعمقُ ما تثقُ به 
ألا تثقَ بشيءٍ 
وسجِّلْ شهادتَكَ فارغةً.
كُنِ الأزليَّ كاهنَ الأيامِ
رديفَ المطلقِ
سيّدَ السُّننِ،
قل كلمتَك وتحطَّم
واصنع سعادتَك 
بطلاوةٍ بفنائِك.


شريف بقنه
خميس مشيط
 ٢٢ سبتمبر ٢٠٢٣

_________________
*شارل بودلير