يعودُ لحجرتِهِ في المساءِ،
يعودُ منَ المدينةِ الهائلةِ.
لا يكتفي بخلعِ قميصِهِ الرسمي،
بل يخلعُ عن رُوحِهِ أرديةً عديدةً
يخلعُ البسماتِ المتكلّفةَ، والنظراتِ الحذرةَ
الجدّيةَ المُفتعلةَ، والإشاراتِ الشاردةَ
ينفضُ قشورَ التملّقِ، وينزعُ جلدَ التزلُّفِ
يُعلّقُهُ على شمَّاعتَهِ.
كم رداءٍ عليهِ أنْ يخلعَ ليلتقيَ بنفسِهِ؟
كم رداءٍ يرتدي من أجلِهم كلَّ نهارٍ!
أرهقتْهُ المدينةُ الهائلةُ، وطوّقتْهُ
من قبْل أسوارُ عزلته.
كان قدِ اختارَ عزلةً تشبهُ حياةَ النُّسَّاكِ،
لكنْ ضلَّ الطريقَ، وعلِقَ في حافةِ الغابة
حبستْهُ نفسُه، وتشابكتْ أمامَهُ أغصانُهَا.
وجدَ أنَّهُ أكثرَ تعقيدًا من أن يُخضعَ نفسَهُ!
وجد تربةً قاتمةً غائرةً في صميمِ ذاتِه
معادنُ نبيلةٌ وبراثنُ سامةٌ وكمائنُ.
فآثرَ الفرارَ صوبَ المدينةِ الهائلةِ
ملتمسًا الصُلحَ البائنَ،
بيْدَ أنَّ المدينةَ مسرحٌ مكتظٌّ بالأقنعةِ
والجميعُ ممثلون.
هكذا يرتدي أدوارَهُ كلَّ صباحٍ
يستنزفُهُ اللثامُ وتسحقُهُ المادة.
يصعدُ قطارَ الحضارةِ مشمّرًا
مقتحمًا القرنَ الواحدَ والعشرين.