لم يُكتب: "أمسك بطرف الخيط*" في جلسة كحكايةٍ أو سردية، ولكن كُتِب وسُجّل على فترات - في البداية يوميًا، ثم بشكل دوري - بعد أن فقد البروفيسور هال بصرَه تمامًا، في الأربعينيات من عمره. ما يقدمه هو ملاحظات مؤثّرة في طبيعتها ووضوحها، ملاحظات حول كل جانب من جوانب حياته وعالمه الداخلي الذي تحول وقتها وبشكل مُرعب. يصِفُ كيف يعبر الشارع. كيف يمكن للمرء أن يضيع بشكل مروّع وكلّي عندما يكون أعمى؛ كيف يجد المرء نفسه مُتجاهلاً أو مستصغرًا؛ كيف أن ذكريات وصور وجوه الناس، وجه المرء أيضًا، لم تعد مُحدّثة لافتقاد الرؤية الفعلية، تصبح متحجّرةً أولاً، ثم باهتةً ثم تختفي تمامًا؛ كيف تتغير العلاقات مع الأسرة؛ كيف تصبح مفاهيم: "المكان"، "الفضاء"، "هنا"، "هناك"، "الحضور"، "المظهر"، بكل درجاتها، مع التقدّم في المرض والعمى، خالية تمامًا من المعنى. لم يكن هناك أبدًا، على حد علمي، كتابٌ فيه قراءة دقيقة ورائعة (ومخيفة) لكيفية التلاشي التدريجي للعين الخارجية، ليس ذلك فحسب، بل التلاشي "للعين الداخلية" أيضًا؛ الخسارة المطّردة للذاكرة البصرية، والصوَر البصرية، والتواؤم البصري، والمفاهيم البصرية (في وقتٍ ما، كان لا يتذكر ما إذا كان الرقم 3 يُشير إلى الخلف أم إلى الأمام)؛ في رحلته المستمّرة والتي استغرقت خمس سنوات وأخذته إلى الحالة التي أسماها: "العمى العميق".
الملاحظات كانت دقيقة، وبنفس القدر عميقة: أمعَنَ النّظر في كل شيء، واستكشفه إلى أقصى حدوده، كل تجربةٍ في الكتاب سلكت طريقًا، وأثمرت حصادًا كاملًا من المعاني. نظرات هال الثاقبة، وجمال لغته، تجعل هذا الكتاب شعرًا؛ عمق تأمّلاته يحولها إلى فلسفة أو فينومينولوجيا. لو كان فتجنشتاين أعمى، لكتَبَ مثل هذا الكتاب، معبرًا عن أعماق فينومينولوجيا الإدراك المتغيرة على الدوام. وبالفعل، فإن استخدامه للاسكتشات القصيرة والملاحظات المُبهرة عنها، يجعل: "أمسِكُ بطرَف الخيط" مشابهًا وبشكل غريب للتحقيقات الفلسفية." أوليفر ساكس (تمهيد الكتاب)
** ** ** ** **
8 يناير 1983
" إذا قبَلت هذا الشيء، وإذا أذْعنت، فسأموت. سيكون الأمر كما لو أن قدرتي على المقاومة، وإرادتي في المقاومة محطّمة. من ناحيةٍ أخرى، يبدو أن رفض الإذعان، رفض القبول، أمر عديم الجدوى. ما أحاول أن أرفض قبوله هو محْضُ الحقيقة.
هذه إذن هي المُعضلة. أنا في حضور واقعٍ لا يمكن تقبّله."