14 مارس 2024

رصاصُ الزمن - شريف بقنه

نشرت في مجلة اليمامة ٢٠٢٤/٢/١٥

١
تخليْنا عن أسئلةٍ عديدةٍ
وظلَّت بلا جوابٍ، تصالحْنا معها.
زهدنا عن أوهامٍ أخذتنا لحافةُ 
الرؤيا حتى ذبلت في ذواتِنا، 
وأهملنا حبلَ أحلامِنا الممتدَّ
منذُ أولِ يومٍ تسابقنا في  
ساحةِ المدرسة، منذُ أولِ 
لثغةٍ نطقَت بأمنياتنا.
ركضنا في لوثةِ الأيام
مسروقين مستلبين 
تسقطُ على أيدينا 
الدَّقائقُ والساعاتُ تباعًا 
تلقَى حتفَها برصاصِ الزَّمن.
حسِبنا السَّعادةَ مضيعةً للوقت
والطمأنينةَ مقبرةً وفخًّا، 
 لم نلتفتْ لخفَّتِنا ولا لطَيْشنا  
وأذعنَّا للرَّغبةِ والنَّزوةِ والشَّره.
بدّلنَا أجسادنَا مكائنَ نهمةٍ
تنهشُ الدَّربَ وتجترُّ الأجلَ.

 ٢
لا شيءَ أرضيٌّ في مدينتنا
خدَّرتْنا المدينةُ وحبستْنَا 
في أبراجٍ زجاجيةٍ، أزهقتْ 
أيامَنا في دوامةٍ فاسدةٍ 
يفوحُ منها الأرقُ والعرقُ 
وعوادمُ السّياراتِ.
كأنَّ المعنَى هامشٌ مؤجلٌ
والمتنَ حياةٌ نموتُها
نقطعُها ولا نعيشُها.
يا لها من جسارةٍ 
صمودنا في البقاء
كلُّ مرةٍ تتشظى أرواحُنا 
في ماديّةِ هذا العالَم.



08 سبتمبر 2023

رفقة هايدجر، معية باتيرسون - شريف بُقْنه

"Gathered" George dawnay
«كان ميّتًا! وعرضوا عليه الحياة مرة أخرى»  
 
أيُّ حياةٍ تلك التي تستحقُ التّكرار؟ 
هل دُفنتُ دونَ أن أدري مع موتى تي اس إيليوت في الأرضِ الخراب، حلمتُ بطفولتي واستجديت زخّةَ الخلاصِ من سماء عذرية زرقاء، هل رأيتُ الخوفَ في" حفنةٍ من تراب" وبُعثتُ من جديد! 
أيُّ معنًى مجيدٌ في حياتي السابقةِ يستحقُ التكرار!  
أبحث عن المعنى لأدلّ الطريق مصافحًا فيكتور فرانكل، أجرّه من مرفقه وقدمُه مغلولةٌ في قضبانِ زنزانته النازية. أبحثُ عن المعنى معيّة جوردين باتيرسون نناضلُ ضلالاتِ ما بعدَ الحداثةِ، ونثقُ بوجودِ سرديةٍ لهذا العالَم. أبحثُ ورسالة ريلكه للشاعرِ الشّاب منحوتةٌ في صدري، شجاعٌ بما يكفِي "أمامَ ما هو أغربُ وأبعثُ على الدهشةِ، وأقلُّ قابليةً للإيضاحِ".  
هل تكونُ حياتي القادمةُ محاكاةً لحياةِ إدغار الان بو؛ تموتُ فيها امرأةٌ جميلةٌ، وتلهمُهُ غرابًا أسودَ! وكأنَّ الحدَثَ برمّتِهِ متعةٌ شعريةٌ رومانسيةٌ سوداء، أم أعيشُ حياتي لأشهدَ مأساويتَها على طريقةِ شوبنهاور! وكأنّ المعنَى كلَّهُ نكايةٌ بالمعنى.  

لو عِشْت ثلاثَ مرّات - سارة رسّل


تعقيبًا على «ملبورن» لويتلامس*

لو عشتُ ثلاثَ مرّاتٍ، سأتزوّجُكَ في اثنتين.
والثالثةُ؟ ربما أعيشُها..
في ستاربكس، جالسةً بمفردي، أكتب مذكراتٍ،
روايةً أو قصيدةً كهذه. لن أنجبِ أطفالًا،
على الأرجحِ، سأكتفي بشقةٍ صغيرةٍ تطِلُّ على النّهر،
بالكتبِ - الكثيرُ منَ الكتب، ووقتٌ للقراءة.
أصدقاءُ تضحكُ معهم، ورجلٌ أحيانًا،
لقضاءِ عطلةِ نهايةِ الأسبوعِ، وتذكّر ملمسَ البشَرةِ
الدافئ. سأكونُ أنحفَ في تلك الحياةِ، نباتيّةً،
أمارسُ اليوجا. سأذهبُ إلى الأفلامِ الفنيّةِ وأسواقِ المزارعين،
أشربُ المارتيني مرتديةً تنانيرَ الكَسْراتِ والمجوهراتِ الكبيرة.
سأقضي إجازةً على ساحلِ مين* وأرتدي قميصًا خفيفًا*
تركَهُ رجلٌ في عطلةِ نهايةِ الأسبوعِ، وتركَ رائحةَ عرَقِهِ
وكولونيا ما بعدَ الحلاقةِ المنعشةِ. سأسيرُ على الشّاطئِ
عندَ شروقِ الشمسِ، أبحثُ عن أصدافٍ حلزونيّةٍ،
وأدرسُ علاماتِ الماءِ على الرَّمل. وأتساءلُ أحيانًا
إنْ كنتُ سأجِدُك.
________________________
ترجمة د. شريف بقنه
سارة رَسّل Sarah Russell شاعرة وأكاديميّة أمريكية معاصرة، تحمل الدكتوراه في نظرية الاتصال من جامعة كولورادو. نشرت نصوصها في ريد ريفير رفيو وميسفيت مجازين وغيرها من الدوريات، حصلت على جائزة جودريدز وبويتري نوك ورُشّحت لجائزة بوشكارت.

* تعقيبًا على أغنية «ملبورن» للفرقة الاسترالية ويتلامس After “Melbourne” by the Whitlams والتي فيها مقطع يقول:
لو عشتُ ثلاثَ مرّاتٍ
سأتزوّجُكَ في اثنتينِ
سأحلُمُ بالوقتِ الذي نجلسُ فيه..
* مينMaine ولاية في شمال شرق الولايات المتحدة. تُعرف بساحلها الصخري الخشن، وجبالها المنخفضة، والغابات، والممرات المائية الخلابة.
* في الأصل قميص فلانيل flannel shirt، والفلانيل نوع من القماش الناعم المصنوع عادةً من الصوف أو القطن. بدأ تصنيعه قديمًا كقمصان رجالية.

"If I Had Three Lives" from I lost summer somewhere by Sarah Russell, 2019 by Kelsay Books

هل أحببْتها - شريف بُقْنه

G.Dawnay - Apparition
تنظرُ إليها
وينبثق السؤال في أناك
هل أحببتها؟ 
أم أحببت نفسك؟

هل أحببتها
وتعثرتَ في مطبّاتِ الرَّغبة.
أحببتها مجموعةَ أعضاءٍ
تصيبُك بارتباكٍ، 
منحوتةٌ رومانيّةٌ 
تنضحُ بالصِّحةِ والحياةِ
تبعثُ كلَّ شيءٍ جديدًا طريًّا،
تجعلُك تشكرُ اللهَ 
لأنَّهُ ابتكرَ الموتَ 
حتَّى لا يذبلَ الجمال.

هل أحببْت سحرَها؟
لأنَّها المسكنُ والمنتهى.
ترمّمُ الخساراتِ 
وتقوّضُ الخيباتِ 
التي مُنيت بها رُوحُك
رغمًا عنِ الألَمِ
والضَّحِكاتِ الكاذبةَ
والضجرِ والموت.
لأنّها بستانُ نخيلٍ
في أرضِكَ المحترقةِ،
فضاء لازوردي
لسمائك المهتوكة.

هل أحببْت ما تقولُه؟
ما تمثّلُه في هذا العالَم!.
كينونةٌ واعيةٌ 
وموقفٌ وجودي،
امرأةٌ تتعالَى على مالا تعرفُه
تفتَح قوسًا ولا تغلقُه
وتشغلُ حياتَها بالنّومِ 
والملذاتِ وقراءةِ
ملارميه ودوستوفيسكي.

هل أحببتها؟
لأنك أحببت نفسَك. 

تهويمات وجودية - شريف بُقْنه

السّماءُ
حريقٌ أزرقُ
كوّةُ الأسرارِ ومعملُ اللَّايقين،
خزانةُ المعادلاتِ والقرارتِ المقدّسة. 

الأرضُ
كرةٌ قذفَها الحريقُ وضلّتِ الطّريق، 
كلّما تأمّلتُ فيها كلما وجدتُ 
أنها بلا جدوى.

الحياة 
محاولاتٌ مستميتةٌ للقبضِ على السّعادةِ.
مسيرةُ المجهولِ، حلقةُ الفوضى
نخبُ الحظِّ والجذلِ والسلوَى.

الموت 
هزيمةٌ غيرُ منطقيةٍ. 
نبيٌّ صامت، نهرُ العدَمِ 
يجري بين جنبينا. 

البشر 
تاريخٌ موجزٌ للأخطاءِ.  
سلالةُ التائهين، عبيدُ المزاج
وحرّاسُ الفناءِ. 

الحبُّ
رغبةُ أنْ يكونَ الجمال.
كلَّ ما هو صباحيّ. 
موقدٌ ناعمٌ وزغَبٌ خشنٌ. 

الوجعُ
فنُّ الحياةِ وخطؤُها. 
شامةُ الحُسنِ على وجنةِ الأيَّامِ. 

الفتنةُ 
كمالٌ معيبٌ، 
خطأٌ صحيحٌ.

الغايةُ
أنْ نجدَ الغايةَ. 

الصمتُ 
 كانڤسٌ فارغ، 
 صوتُ الأسرارِ 
ومقبرةُ الكلامِ.

النّهايةُ 
لا نذهبُ إليها
تأتي إلينا متى ما شاءت.

أنت.. المرآةُ
براءةُ الكونِ وغموضُه
عنفوانُه وفوضويتُه.

الذهاب إلى السّرير في ليلةٍ ديسمبريّة - إيلين باس

عندما أنْسَلُّ تحت اللحاف وأطوي
جسدي بدفئك، أحسبُ أننا مثل صفحاتٍ
لرسالةِ حبٍّ كُتبت قبل ثلاثين عاما
وأنّ إلهً مُسنًّا ما زال يقرأها كل يوم
ثم يطويها مرةً أخرى في ظَرْفها.

______________________

ترجمة شريف بقنه
إلين باس Ellen Bass (١٩٤٧- ) شاعرة وكاتبة أمريكية معاصرة. حصلت على جائزة إليستون بوك للشعر، جائزة بابلو نيرودا، جائزة بوشكارت الأدبية ٤ مرات والعديد من الجوائز والتشريفات الأخرى.
"Getting Into Bed On A December Night” by Ellen Bass from The Sun, February

بيت - ويتني هانسون


أعرف الآن ما لذي يحدث؛
لا يمكنك الحفاظ على كل شخصٍ في حياتك للأبد،
ثمّة أشخاص يُقصد من وجودهم
أن يكونوا شمسًا تشرق كل مرّةً عليك
تضيء ما حولك وتخلّصك من عتمتك،
ثمّة أصدقاء، عشّاق، علاقات موسمية،
ليس مهمًا أنك أجريت محادثةً عميقةً
مع أحدهم عند الثانية صباحًا،
ليس مهمًا أنك شاركت قلبك.
حتى لو لايزال بإمكانك رسْمَ
خطوط ابتسامتهم
مثل خريطةٍ لطريقٍ تألفه
في عقلك الباطن،
لابدّ وأن يأتي وقتٌ
للمضيّ قدُمًا
لإطلاق سراحهم.
بعيدًا عن ذلك
أردتك فقط أن تعرف؛
ستشعر دائمًا
كما لو أنك البيت بالنسبة لي،
مهما كان ذلك مؤقّتًا
إلا إنّه يظلّ جميلًا
أنني أسمَيت الكثير
من القلوب بيتي.
_______________________
ترجمة شريف بقنه
ويتني هانسون Whitney Hanson شاعرة أمريكية معاصرة، نشرت مجموعتها الشعرية الأولى "بيت" ٢٠٢١ بشكل شخصي وتصدرت قوائم الأكثر مبيعًا (٢٠٠٠-)
Home by Whitney Hanson, Kindle Edition 2021


عزلةٌ مَهيبة - شريف بقنه

Jaime' Pondering Existential Dread Painting richard odabashian
وحيداً
في عزلة مهيبة مثل
حصانٍ حزين ينسحب بعيدًا،
عزلةٌ تذكر بأيام الخلق الأولى
عندما كان العالم مسرحًا
للتجارب والتشرّد والنزوات.
شاردًا في وسواسه
 مهادنًا المعنى
محمولًا على الريح
يسكنُهُ الشكّ أكثر من اليقين
وهل ثمّة من يقين؟
والمصير ماء وسؤال حزين:
هل تتعطل قوانين الفيزياء في الجنة؟
هل الخير خيرٌ له؟
هل الفكرة ممكنة بلا معجم كلماتها؟
ماذا لو كتب رامبو شيئاً بعد أن أكمل التاسعة عشر؟
أي حنجرة تلك التي تحدّث قلبه؟
كيف يغفر للموت والقدَر جاثيًا على ركبتيه!
ما أكثر السماء وما أقلّه.

بعد ثانيةٍ، وقد ذهبتِ - راندال ستيفنز


سمعتُ عن كشكِ هاتفٍ مكسورٍ قديمٍ
يذهبُ إليه النّاسُ لإجراءِ محادثاتٍ خياليةٍ
في البدايةِ، وجدتُ ذلك حماقةً
ثم وقفتُ في صفِّ الانتظارِ.

عندما جاءَ دوري، اتصلتُ برقمكِ القديمِ
لم تكنْ هناك نغمةُ رنينِ،
لكني أخبرتُكِ بكلِّ شيءٍ، وانتظرتُ صامتًا
كما لو كنتِ قد تردّين.

ظننتُ أنّني سمعتُكِ تتنفسّين.
ثم تذكرتُ أنّهم قالوا لي؛
إنّ عليَّ المضيَّ في حياتي قدُمًا.
قبلَ ثانيةٍ، كنتِ هنا.

___________
ترجمة شريف بقنه
راندال ستيفنز Randall Stephens شاعر أسترالي
"Next Second, You Were Gone" by Randall Stephens


17 يناير 2023

حلُمٌ بربري - شريف بقنه

Self by G.Dawnay
 "ها أنذا واقفاً بين يديك، لا أستطيع أن أفعل غير ذلك"
من صلاة اللاهوتي الألماني مارتن لوثر (١٤٣٨-١٥٤٦)

تعطّل الوقت ويبُس الكلام 
زمنٌ محبوس في قارورة 
والفم فوّهة مذعورة، 
جفتني الطمأنينةٌ  
منذ أن كُسرت جرّتي 
وانسكبت أقداري، 
ماذا عساني أفعل؟
 
أرسل بأجوبةٍ لسؤال مستحيل 
أروّض اللانهائية 
وأتخبأ في زاوية الدائرة 
أبحث فيّ عنّي
أجرّب خدعةَ الوعي تارةً
وأعبر وهم كينونتي
انقطع عن اللحظة 
أتوحّد في أوْج وعيي،
لا أتجنبه. 
تَخور فرائصي بأوجٍ باهظٍ
مربكٍ وثقيل. 
 
أشعرُ أنني لا أصلحُ لشيء
كيسٌ هلامي بقدمين 
أو بهلول بنخاعٍ شوكي 
تمضغني الدقائق علكةً عابرة
 أباري الأسئلة سجالًا لا ينتهي 
وينقصني قبَسُ الرشاد 
وسلوى المعنى. 
 
كل ما علي أن أزْجي الوقت 
أو ربما  يُزْجْيني، 
وتأخذ الطبيعة مجراها 
آكل، أنام وأقضي حاجتي
 منومٌ مغناطيسيًّا 
في هذا الحلم البربري.
 
مِنَ السّذاجةِ أن نفعلَ أي شيْءٍ بالكلمات 
والنجومُ ليسَت سِوى 
بصَقاتٍ منثورة في السّماء؛ 
يقول لي ماياكوفيسكي.
أتوقّف عن التفكير 
وأترك للموسيقى المهمة 
أنصت لصوتٍ بعيد: 
"سافر.. إياك أن تصل
الفائز من يقفز أعلى في المجهول"